يا ليت أيامك تعود
دارَ الزمانُ دَورته.. وتصرَّمت الأيامُ تِلْوَ الأيام.. وهَا هُو شهُرنا أَزِفَ رحيلُه.. وأَفَلَ نجمُهُ بعد أنْ سَطَعْ.. وسَيُظْلِم لَيلُهُ بعد أنْ لَمَعْ. لا أدري ما أبْدَأُ به.. أَأُهَنِّيَكُم بِقُربِ العيدِ المبارك، أَمْ أُعزِّيكم بفراقِ شهرِ القُرآنِ والغُفْران.
يا ليت شعري هل تعود أيامك علينا أم لا تعود، ويا ليتنا علمنا من المقبول منا ومن المطرود!! ويا ليتنا تحققنا ما تشهد به علينا يوم الوعود! ويا أسفًا لتصرمك يا شهر السعود، ويا حزنا على صفاء القلوب وإخلاص السجود، السلام عليك من مودِّعٍ بتوديعك نطق.
[فيَا شَهْرَ رَمَضانَ تَرَفَّق، دُمُوع المحبِّين تَدَفَّق، قُلُوبُهم من أَلَمِ الفِراقِ تَشَقَّق، عَسَى وَقفةٌ للودَاعِ تُطْفِئُ مِنْ نَارِ الشَّوقِ ما أَحْرَق، عَسَى ساعةَ تَوبَةٍ وإقلاعٍ تَرْفُو مِنْ الصِّيامِ كُلَّ ما تَخرَّق، عَسَى منقطعٌ عن ركب المقبولين يَلْحق، عَسَى أسيرُ الأوزارِ يُطلَق، عَسَى من استوجبَ النار يُعْتَق، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يُوفَّق] “من كتاب تحفة الإخوان بوداع شهر رمضان- لابن الجوزي-”فرحم الله عبدًا بادر خلاصه في باقي ساعاته، والتفت إلى وقته واجتهد في مراعاته، واستعد لسفره بإخلاص طاعاته، واعتذر في بقية شهره من سالف إضاعاته، واعتبر بمن أمّل أن يرى مثل شهره هذا قبل مماته، فتضرّمت نار أجله في عود أمله فاحترق.
أين من كان معكم في العام الماضي؟! أما قصدته سهام المنون القواضي، فخلا في لحده بأعماله المواضي، وكان زاده من جميع ماله الحنوط والخرق!!!
رحل -والله- عن أوطانه وظعن، وأزعج عن أهله والوطن، وبقي في لحده أسير الحزن وما نفعه ما جمع وما خزن، وتمنى أن يعاد ليزداد من الزاد ولن، ولقد هتف به هاتف الإنذار فما فطن.
فتيقظ أيها الغافل وانظر بين يديك، واحذر أن يشهد شهر رمضان بالخطايا عليك، وتزود لرحيلك وانصب الأخرى بين عينيك، واستعدّ للمنايا قبل أن تمد أيديها إليك، قبل أن يوثق الأسير ويشتد الزفير ويجري العرق